أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

◀️ آخر الأخبار⏳

المغول: أسطورة القوة التي تحطمت على أسوار الشرق

 

المغول: أسطورة القوة التي تحطمت على أسوار الشرق

​تفضل مقالة طويلة وموثقة عن تاريخ المغول، مع التركيز على علاقتهم بالعالم الإسلامي، وإبراز دور المماليك في التصدي لهم.

المغول: أسطورة القوة التي تحطمت على أسوار الشرق:

​كانت غزوات المغول في القرن الثالث عشر الميلادي بمثابة عاصفة اجتاحت العالم من الشرق إلى الغرب، مخلّفةً وراءها دمارًا لم يسبق له مثيل. اشتهر المغول بالوحشية والقسوة، وقد جرت هذه القسوة وفقًا لخطة مدروسة هدفها الأساسي هو نشر الرعب وشل حركة أي مقاومة محتملة. لم يكونوا يكترثون للبسالة أو الشجاعة إذا كان بالإمكان تحقيق أهدافهم عن طريق الغدر والخداع. فالموت كان مصير من يقاومهم، وفي كثير من الأحيان، كان أيضًا مصير من يستسلم لهم.

استراتيجية الإرهاب المغولي:

​لم يكن المغول يرحمون أحدًا، فالمدن التي كانت تذعن لهم، كانوا يقتلون معظم سكانها، ويبقون على القليل منهم للاستفادة من مهاراتهم الحرفية أو لاستخدامهم في مقدمة جيوشهم عند الهجوم على مدن أخرى، كـ"دروع بشرية". وبعد تحقيق الغرض منهم، كانوا يجهزون عليهم بدورهم. كانت النيران المشتعلة في المدن التي دمروها بمثابة رسالة واضحة للمدن المجاورة، تضمن لجيوشهم الأمن والسلام وتمنع أي تمرد مستقبلي.

​تذكر المصادر التاريخية الإسلامية أن الدمار الذي لحق بخراسان والعراق بعد الغزو كان هائلاً، لدرجة أن المؤرخين أشاروا إلى أن أعداد السكان لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الغزو حتى يوم القيامة، وهذا يوضح حجم الكارثة البشرية التي تسببوا فيها. ولم يقتصر الدمار على الأرواح والمباني، بل طال أيضًا الكنوز الأدبية والعلمية، حيث أُحرقت المكتبات التي كانت تضم آلاف المخطوطات النفيسة، مثلما حدث في بغداد.

المماليك.. الحصن المنيع في وجه المغول

​في الوقت الذي كان فيه العالم الإسلامي يتجرع مرارة الهزيمة، كانت هناك آمال في الغرب المسيحي بأن يعتنق المغول المسيحية ويتحالفوا معهم لتوجيه ضربة قاصمة للعالم الإسلامي. لكن هذه الآمال تبددت بفضل بروز قوة جديدة في مصر والشام: دولة المماليك.

​كانت نقطة التحول الكبرى في التاريخ هي معركة عين جالوت في عام 1260م. في هذه المعركة الحاسمة، تمكن السلطان المملوكي سيف الدين قطز من إنزال الهزيمة الساحقة بالمغول، وتحطيم أسطورتهم بأنهم "قوة لا تُقهر". كان دخول قطز القاهرة بعد الانتصار مشهدًا مهيبًا؛ حيث سار الأسرى التتار وهم مقيدون، وكانت رؤوس قتلاهم معلقة على الرماح، وطبولهم مخرقة، في إشارة رمزية إلى نهاية شوكتهم.

​استمر المماليك في التصدي للتهديد المغولي. فبعد عين جالوت، تولى السلطان الظاهر بيبرس زمام الأمور، وقام بتطهير المنطقة من بقايا الصليبيين، وعاقب الأرمن الذين تعاونوا مع المغول. وفي عام 1277م، حقق المسلمون انتصارًا آخر في معركة عينتاب، حيث قُتل نحو 7 آلاف من المغول.

​ولكن النصر الأكبر الذي أنهى تمامًا خطر المغول على الشام جاء في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، في معركة مرج الصفر (شقحب) عام 1303م، بالقرب من دمشق. كان هذا الانتصار حاسمًا، فقد أنهى بشكل فعلي محاولات المغول لاستعادة نفوذهم في المنطقة، ودخل الناصر القاهرة في موكب نصر عظيم، مشابهًا لموكب قطز قبل عقود.

تحول المغول إلى الإسلام

​على الرغم من كل هذا العداء، فإن الإسلام أخذ يستعيد مكانته في الأراضي التي خضعت لحكم المغول. فبينما فشلت البوذية والمسيحية في الانتشار بينهم، اعتنق الإسلام العديد من قادتهم. كان أبرزهم غازان خان (1295-1304م)، الذي كان أول إيلخان مغولي في فارس يعتنق الإسلام، مما دفع الموظفين ورجال الدين المغول إلى اتباع خطاه.

​هذا التحول الديني كان له آثار هائلة؛ فقد استقر الإسلام في فارس والأقاليم التابعة لها، وبدأت المدن الإسلامية التي دُمرت في النهوض والازدهار من جديد. نشطت التجارة بعد أن توقفت بسبب الحروب، واتسعت أملاك الدولة المملوكية لتشمل الأراضي التي كانت تحت سيطرة الصليبيين والأرمن، وتوج ذلك بفتح عكا عام 1291م، مما أنهى الوجود الصليبي في المشرق.

​وهكذا، تحولت عاصفة المغول التي كادت أن تقتلع العالم الإسلامي إلى فرصة لنهضة جديدة، حيث أثبت المسلمون بقيادة المماليك قدرتهم على الصمود والانتصار، وأخذت الحضارة الإسلامية تستعيد عافيتها تدريجيًا.

تعليقات