كان هناك أميرٌ يحكم إمارةً جميلةً، وكان يشتهر بحكمته وعدالته بين شعبه لكن كما هو الحال مع كل البشر كان لدى الأمير أمنية دفينة يسعى لتحقيقها؛ كان يحلم بالبقاء شاباً قوياً دون أن يدركه الشيب.
البحث عن سر الشباب الأبدي:
كانت هذه الأمنية تشغل باله كثيراً، حتى أنه قرر أن يجعل منها هدفاً يسعى لتحقيقه بأي ثمن.
قرر الأمير أن يستعين بحكيمٍ ذكيٍ معروفٍ بقدرته على إيجاد الحلول لأكثر المشكلات تعقيداً. دعا الأمير الحكيم إلى قصره وطلب منه أن يجد له دواءً يطيل عمره ويبقيه في ريعان شبابه. وعده الأمير بمكافأة عظيمة إذا استطاع تحقيق هذا الطلب الصعب.
انطلق الحكيم في رحلة بحث طويلة، متنقلاً بين المدن والقرى، سائلاً الناس عن دواء يطيل العمر ويحافظ على الشباب. لم تكن رحلته سهلة؛ فقد واجه العديد من التحديات والعقبات، لكنه لم يفقد الأمل. في إحدى القرى الصغيرة، نصحه الأهالي بالصعود إلى قمة الجبل حيث يعيش هناك أخوان معروفان بحكمتهما وعلمهما، وقد يجد عندهما ما يبحث عنه.
لقاء الحكيم بالأخوين:
صعد الحكيم إلى قمة الجبل قبيل الغروب، حيث وجد بيتين صغيرين مبعثرة أمامهما مظاهر الحياة البسيطة. أمام البيت الأول، جلس رجل عجوز عند الباب. سلم عليه الحكيم، فرد العجوز السلام ورحب به بلطف. طلب الحكيم من العجوز المبيت عنده، لكن زوجة العجوز صرخت من داخل البيت: "ليس لدينا مكان للضيوف!"، مما أسف العجوز وجعله يعتذر للحكيم.
توجه الحكيم إلى البيت الآخر، فوجده جميلاً مرتباً، تحيط به الأزهار وتغرد حوله الطيور. استقبله شاب وسيم برحابة صدر، وطلب من زوجته استقبال الحكيم كضيف عزيز. في اليوم التالي، شرح الحكيم سبب زيارته وسأل الشاب عن سر شبابه وصحته المتجددة، بينما أخاه الأكبر قد شاب وهرم. ضحك الشاب قائلاً: "أنت مخطئ، هو أخي الأصغر وأنا أكبر منه بخمس سنوات!" أثار هذا الأمر فضول الحكيم، فطلب معرفة السر، ووعده الشاب بكشفه بعد الغداء.
الكشف عن سر الشباب:
تناولوا الطعام وجلسوا تحت شجرة مطلة على الوادي. طلب الشاب من زوجته إحضار بطيخة من البستان في أسفل الوادي. ذهبت الزوجة وعادت بعد ساعة حاملة بطيخة ناضجة. تفحص الشاب البطيخة وطلب من زوجته إحضار أخرى، فذهبت وعادت مجدداً. وفي المرة الثالثة، بعد تفحص البطيخة، قرروا تناولها. هنا، بدأ الحكيم يدرك أن هناك درساً عميقاً وراء هذا التصرف.
سأل الحكيم الشاب مجدداً عن سر شبابه، فأجابه الشاب بابتسامة حكيمة: "السر ليس في طعام أو عشب، بل في زوجتي. منذ أن تزوجتها، لم أجد منها سوى الحب والرحمة والاحترام. هل تعلم أن البطيخة التي جاءت بها ثلاث مرات هي نفسها؟ لكنها لم تتذمر أو تقلل من شأني أمامك."
الحكمة العميقة:
أدرك الحكيم أن ما يقوله الشاب هو درس في الحياة والزواج. الحكمة هنا هي أن السعادة، راحة البال، الصحة، والشباب يصنعها الزوجة الطيبة الصالحة بحبها وعطفها واهتمامها، وليست بالأدوية والأعشاب. فهم الحكيم أن العلاقة الزوجية المبنية على الاحترام والتفاهم يمكن أن تكون مفتاحاً لحياة صحية وسعيدة.
عاد الحكيم إلى الأمير ليخبره بما تعلمه في رحلته. شرح له أن السعادة والشباب الدائم لا يمكن شراؤهما أو تحقيقهما من خلال الأدوية فقط، بل من خلال بناء علاقات صحية مليئة بالحب والاحترام. كانت هذه الحكمة البسيطة ولكن العميقة هي الجواب الذي كان يبحث عنه الأمير طوال هذا الوقت.
الخاتمة:
من خلال هذا الدرس، تعلم الأمير والحكيم معاً أن الشباب الدائم لا يكمن في البحث عن حلول سحرية أو أدوية معجزة، بل في الاهتمام بالعلاقات الإنسانية وبناء حياة مليئة بالحب والتفاهم. وهذا ما جعل الإمارة مكاناً أفضل، حيث أدرك الناس أهمية الاحترام المتبادل والعناية بالعلاقات الأسرية.وبهذا، تحقق الحلم بطريقة غير متوقعة، حيث أدرك الجميع أن السعادة والشباب الحقيقيين ينبعان من الداخل، ومن القيم الإنسانية الأصيلة التي تبني علاقات قوية ومستدامة.